الجهوية أو الطرفية سمة فارقة لهذه الانتفاضة، إذ جعلتها ليست “بيروتية” بل “وطنية” على معناها الحسي والسياسي. كأن اللبنانيين، أبناء بعلبك والهرمل وزحلة وعكار والضنية وطرابلس وصور والنبطية وبنت جبيل وصيدا والبترون وجل الديب.. ومئات القرى والبلدات أرادت عمداً لا توسيع مشهدية الانتفاضة وحسب، وإنما أن تُظهر تماثلها لتجاوز اختلافها أو لما كان يجعلها متباعدة. الانتفاضة كانت بالضبط ضد التباعد. هذه هي استثنائية انتفاضة 2019.
مليونان ونصف مليون لبناني (حسب وكالة “رويترز”). عدد مهول وساحق. أكثر من نصف الشعب اللبناني المقيم. ويمكن إضافة عشرات الآلاف من اللبنانيين في معظم مدن وعواصم أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا.
مليونان ونصف مليون لبناني معاً كما لم نتخيل أبداً. معجزة سياسية. زلزال هائل لن تتوقف تردادته في وقت قريب.
الإنجاز العظيم أيضاً لهذه الانتفاضة أن لا ضربة كف واحدة في هذه الحشود المليونية. لا قتيل ولا جريح. المدنية اللبنانية التي ظهرت بأرقى صورة لها في آذار 2005، وتم الاعتداء عليها بالعنف والميليشيات والاغتيالات طوال سنوات لاحقة.. هذه المدنية عادت لتنتصر وتتعملق وتنتفض.
الأحد العظيم حقق نفسه (لحظته التاريخية) ومنح اللبنانيين صورة أنقى عن أنفسهم. الصورة التي يشتهونها حيّة ويومية وتليق بطموحاتهم ومشتهاهم السياسي”.